[font=Arial Black]
المقدمة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فهذا الكتيب يحوي بشرى للمستضعفين في الأرض المحتلة خاصة وللمسلمين عامة .
ولكنه لم يكتب ليبشرهم فإن في كتاب الله وسنة رسوله من المبشرات الكثير ، وما عدا ذلك منـها لـه حدوده وضوابطه ، فالمضمون إذن لا يؤسس عقيدة للمسلمين -كما قد يظن بعض القراء من أهل الكتاب والمسلمين وغيرهم– وإنما كتب ليختطّ أسلوباً في التعامل مع الأسس الفكرية لعدو الإنسانية اللدود "الصهيونية : بوجهيها اليهودي والأصولي النصراني" ذلك العدو الذي أشغل الدنيا وملأ الفضاء والورق بالحديث عن النبوءات الكتابية -لاسيما بعد الانتفاضة الأخيرة-.
ودراسة النبوءات هي أحد مواد البحث في الدراسات المستقبلية إلا أن النبوءات كالأفكار منها الصحيح ومنها الزائف ، ومن حق القارئ العالمي أن يجد الرأي الآخر في هذا الموضوع الخطير ، ومن حق القارئ المسلم أن يطالب باستدعاء الاحتياطي في هذه المعركة الطويلة الشرسة ، والاحتياطي هنا هو الدراسة الموضوعية للأصول العقدية للعدو ولنفسيته وسلوكه من خلال مصادره وتراثه التي هي عماد روحه المعنوي وإيمانه بقضيته .
وحين نفعل ذلك فإننا في الحقيقة لا نأتي بجديد وإنما هو امتثال للمنهج القرآني الذي علمنا الرجوع إلى المصادر الكتابية لإقامة الحجة وإلزام المفتري :
قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين
مثلما علمنا أنهم كتموا الحق وألبسوه بالباطل وهم يعلمون.
وإذا كانت عدالة القضية هي أساس الروح المعنوية للمقاتل فإن التوراة لا تدل فحسب على أن قضية الجندي الصهيوني غير عادلة ، بل تدل على أن من الواجب عليه أن يقاتل في الصف المقابل ، كما تفرض على المستوطن أن يعلم أن قدومه إلى هذه الأرض إنما هو لاستنـزال عقوبة الله وإحلال غضبه عليه ، فلا أقل من أن يرحل ! وإن كان الأحب إلينا أن يهتدي لنور الله ويصبح أخاً لنا في الإسلام الذي هو ملة إبراهيم ويشاركنا نعمة الإيمان بكل كتب الله ورسله بلا تفريق بين أحد منهم.
ولا ينبغي أن ينتظر (يوم الغضب) لكي يرحل أو يؤمن فربما ضاعت الفرصة العظمى قبل ذلك اليوم أو فيه.
إنني أنصح كل يهودي في أرضنا المحتلة ألا يدع التوراة حكراً على محترفي الكهانة ، الذين يحصلون على إعفاء مجاني من الخدمة العسكرية بينما هو يقدم نفسه من أجلها وأجلهم ، إنني أنصحه أن يقرأها ولكن بعقله ووعيه لا بشروحاتهم وتأويلاتهم وسيرى الحقيقة التي لابد للعالم كله أن يراها عما قريب !!.
وليعلم أنه مهما اعتدى علينا وقتل أطفالنا وأحرق مزارعنا وأفسد علينا حياتنا فإننا لن نعامله إلا بما شرع الله لا بما تشتهي أنفسنا. وأننا لا نريد لـه ولا لأحد من البشر إلا الفوز برضى الله والسعادة في الدنيا والآخرة.
أما الحساب الكامل والقصاص العادل فإنما يكون يوم القيامة بين يدي الله الذي سيحاسبنا جميعاً على ما عملنا من خير أو شر وهناك لا تنفع الدعاوى : ليس بأمانيكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد لـه من دون الله ولياً ولا نصيراً .
إنها كلمة سواء نلتزم بها من طرف واحد ونأمل أن يكون لدى الطرف الآخر من الشجاعة ما يجعله يلتزم بها أو يحاول ...
المؤلف
انتفاضة رجب
بعد بضع سنين قليلة في عمر الزمن لكنها طويلة ثقيلة في ليل القهر واليأس ما الذي حدث؟ القلوب واجفة ، والأبصار مشدودة ، والأنفاس لاهثة ، عند كل إشارة إلى خبر عاجل أو حدث طاريء ، والتساؤلات على كل شفة :
أين..؟ من..؟ كم..؟ يهود..! أمريكان..! انتفاضة شهداء ...
المشاهد تتوالى في الأذهان أكثر مما في هذه الفضائيات المتطورة :-
تهاوي أوراق المفاوضات واحتراقها في لهب الغضب وجحيم القهر.
خزي راعي السلام الذي يعاقب الحملان الوديعة كلما هاجمتها الذئاب الشرسة.
ذهول أصحاب السيوف الخشبية الذين كلما داهمهم العدو هرعوا يحدون أطرافها على مبارد من الثلج.
انطلاقة مقلاع داود الذي نسجته الأيدي المغلولة ، ووقوفه في مواجهة صواريخ جالوت.
عربات عسكرية تتراجع أمام حجارة ، ورجل واحد يقاوم مئات الجنود المدججين بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا الأمريكية.
وحشية إسرائيل التي فضحت أصدقاءها الموالين ، وأحرجت أخدانها المتسترين ، وقذفت بالمترددين إلى صفوف الأعداء الصرحاء.
إجماع إسلامي لا نظير له من قبل على أن الحل هو الجهاد !!
ذلك ما نطق به الرؤساء والعلماء والمفكرون الاستراتيجيون والقادة الشعبيون والخطباء والعامة الأميون الرجال والنساء والأطفال.
الكل اجتمعوا على هذه الكلمة التي ما وقرت في الأذن إلا ونفذت إلى أعماق القلب ثم تتبعها تساؤلات : كيف..؟ ومن أين..؟ ومع من..؟ ومتى..؟ وهل الحكام...؟ وهل الأمريكان...؟
شيخ أزهري رسمي يصرخ -في أكثر الفضائيات صخباً وأوسعها انتشاراً- لا يجدي مع اليهود إلا قاعدة : اقتلوهم حيث ثقفتموهم .
ويسأله المذيع : ولكن يا شيخ هل تعني القتل فعلاً (أي هل تعي ما تقول ؟) وهل الأزهر معك؟ ويأتي الجواب صريحاً بالإيجاب.
غضب عارم في كل مكان ، وأساليب جديدة في الرفض ومحاولات جديدة للحل ، فما الذي حدث ولماذا ؟
بعد متاهة طويلة من المفاوضات العقيمة ، واللقاءات الفارغة المضمون ظهر مفهوم "السلام" عند اليهود على حقيقته ، وولدت الأزمة الجديدة بين تفاهة تنازل " الحمائم " وعنف معارضة "الصقور" في حين كان المحاور الآخر كالشاة العائرة بين الذئبين !!
(في إسرائيل صقور وحمائم) ذلك ما قيل لنا منذ رحلة السادات المشؤومة !!
وصدَّقه بعضنا لأن المعهود في خلق الله كلهم سواء الأسرة ، القبيلة ، الدولة ، أن يكون فيهم طرفا نقيض في أي قضية !!
لكن ليس في هذه الدنيا طرفا خلافٍ أغرب وأعجب من اليهود ، فأنت قد تسمع تصريحات أو تقرأ بيانات لا تستطيع أن تحكم على قائلها بأنه من الحمائم أو من الصقور إلا من اسمه أو ححرامه !!!
فحين تسمع زعيمين يهوديين -أحدهما سياسي والآخر كاهن- يتوعدان الفلسطينيين ويرفضان إعادة الانتشار فالمتبادر إلى فهمك أنهما من ححرام الصقور ، لكنك حين تعرف من هما ؟ تعلم أنهما من المحسوبين على الحمائم.
وحين تسمع أحد الصقور ينادي بالإبادة التامة للفلسطينيين فاعلم أن الحمامة لا تخالفه إلا في الطريقة والوقت !!
وحضور مدريد أو أوسلو أو معسكر داود الثانية لا يدل على أن الحاضرين حمائم، بل إنما يحضر من يصادف أن يكون في السلطة حينئذ من هؤلاء أو هؤلاء .
أسلوب غريب لا نظير له في سياسات خلق الله الآخرين . فالمنطق اليهودي يفترض أن يكون التنافس بين من يجعلونه صقراً ومن يسمونه حمامة على التشدد والمغالاة والالتواء والمماطلة. فهما متعارضان لكنهما متوازيان ، وليسا وجهين لعملة واحدة فقط، بل كل منهما يصلح وجهاً لكل جهة.
ورحم الله القائل :
إن اليهود هم اليهود فلا صقور ولا حمائم
العلة قائمة دائمة في حال الحرب وحال السلم ، في حال الحكومة وحال المعارضة، إنها العقيدة اليهودية والنفسية اليهودية التي لم تفقد خصائصها منذ قديم الزمان بشهادة أسفار التوراة المجموعة على مدى قرون متعاقبة -كما سنرى-.
فالحمائم تتحايل وتماطل من أجل التنازل عن شيء أو شبه شيء ، والصقور تجادل وتناضل لكي لا يتم التنازل عن شيء ، وبين تفاهة التنازل وعنف المعارضة انكشفت تلك الطبيعة (طبيعة النفسية اليهودية والعقيدة اليهودية) فتفجرت الأزمة.
أولاً : التنازل :
بعد سلسلة طويلة ومعقدة من المفاوضات ، والوساطات والخلافات الإجرائية والمماحكات الجدلية ، وافق باراك أو كاد يوافق على مشروع غريب لتقسيم المسجد الأقصى ، لكنه يليق بالعقلية اليهودية الملتوية ، وهو أن يكون التقسيم أفقياً على ثلاث مستويات :
1- المسجد والساحات.
2- ما تحت المسجد والساحات من الأرض.
3- ما فوق ذلك من الجو.
وأن تكون إسرائيل مسيطرة تماماً على القسم الأرضي كله ، حيث يحتمل وجود الهيكل المزعوم ، وكذلك تسيطر على الجو -وهذا لا يحتاج لاشتراط فهي وحدها التي تملك المروحيات والطائرات والفلسطينيون محرم عليهم ذلك مطلقاً- وينحشر نصيب السلطة العرفاتية بينهما. على أن يكون عبارة عن صلاحية وظيفية أو (إشراف وظيفي) على المسجد والساحات ، وهناك احتمال بنصر رمزي للسلطة يتمثل في رفع العلم الفلسطيني على هذه المساحة المحدودة من المدينة المقدسة.
ثانياً : المعارضة :
هبت المعارضة الدينية والححرامية في وجه باراك ، ونددت بهذا التنازل الرخيص ، وضجت جمعيات ومؤسسات الهيكل -وهي أكثر من اثنتي عشرة جمعية أو مؤسسة- بالاحتجاج وتوعدت باراك والمسجد الأقصى والفلسطينيين جميعاً بالهلاك والتدمير.
ومما زاد الموقف تأزماً أن المفاوضات وقعت في موسم الصوم قريباً من يوم الغفران، وقريباً من ذكرى يوم خراب الهيكل على يد "تيتس" الروماني.
ومن هنا ربط المعارضون بين تيتس المجرم وباراك الخائن ، وقال أحد الحاخامات :
((لا نبكي في هذا الذكرى خراب الهيكل قبل ألفي عام بل نبكي خرابه اليوم)).
وتم إنقاذ الموقف على يد السفاح الشهير "شارون " -صاحب صبرا وشاتيلا- وكانت زيارته المشؤومة للمسجد الأقصى ، فأجهزت على المشروع أو أجلته إلى حين..!!
-بدون أي شك- كانت زيارة شارون مدبرة أو معروفة لدى الحكومة اليهودية فهي التي انتدبت ألفي جندي لحراسته ، ولدى السلطة العرفاتية حيث كان عرفات يراهن بردة الفعل الشعبية التي كان يتوقع انفجارها لكنه لم يدرك أبعادها.
ولأن الأقصى عزيز على كل مسلم ، ولأن صلف اليهـود يستثير أحلم الناس، ولأن الشعوب هي التي تدفع الثمن ، تصدى الغيورون لشارون ، ورد اليهود بوحشية التوراة المحرفة والتلمود ، فاشتعلت الأرض المحتلة كلها وتبعتها سائر الأقطار الإسلامية ، وكانت انتفاضة رجب كالإعصار وتخطت الحواجز والأسوار وهتكت كثيراً من المؤامرات والأسرار.
وكان ذلك باختصار تعبيراً عن :
1 – القهر الذي يعاني منه الفلسطينيون وانتفاضة المقهور لا يعدلها انتفاضة.
2 – احتقان الغضب والرفض الصامت للشعوب طوال هذه السنين العجاف.
3 – شعور الزعماء العرب بالإهانة والتهميش حين أصبحت اللعبة ثلاثية الأطراف : إسرائيل تطالب إلى ما لا نهاية ، عرفات يستسلم ويتنازل باستمرار ، أمريكا الحَكَم الجائر تريد منهم الانسياق وراء ما تقرره ، والتوسط لإرغام الفلسطينيين على قبوله ، وتفرض عليهم تمويل المشروعات ، وتمرير القرارات إعلامياً ، وفرض النتائج على الشعوب دون مراعاة للحساسية الدينية الخطرة للقضية.
بعض العرب نصح أمريكا قائلاً : [إذا أردت أن تطاع فأمر بما يُستطاع] ، ولكنها مضت في غطرستها بلا رادع. وهذا ما شعـر به الأوربيون واليابانيون فضلاً عن الروس الراعي الآخر الذي تهدَّم بيته عليه ؛ ولهذا كانت الغضبة عامة عارمة وإن اختلفت الأسباب.
على أن الملمح الجديد لانتفاضة رجب هـو البروز الواضح للمصطلحات الإسلامية في لغة الخطاب لدى الجميع ، وهو مؤشر للقوة المعنوية للصحوة المباركة ، وأنها الطريق الأخير والوحيد بعد انكشاف زيف الشعارات العلمانية كلها.
وأقبلت تباشير الصباح ليوم سينتهي بغضب من الله وانتقام يسلطه على طواغيت الكفر وجند التخريب والإجرام.
منظور عقدي
الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ولكنه جل شأنه يطلع بعض عباده على شيء منه لحكم عظيمة.
وأعظم وسائل الاطلاع : الوحي وهو خاص بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، والرؤيا الصادقة وهي للأنبياء وحي ولغيرهم بشارة أو نذارة ، فهي تقع للمؤمن والكافر والبر والفاجر ثم تأتي وسائل أخرى كالتحديث والإلهام والفراسة .
وكل خبر عما يحدث مستقبلاً يحتاج لأمرين :
1- صحة الخبر.
2- صحة التأويل.
وأهل الكتاب هم أكثر الأمم اشتغالاً بالملاحم وأحداث المستقبل ، وقد شغلوا بها طائفة من المسلمين منذ القدم ، والعلماء يعللون قلة حديث أهل الشام ومصر بالنسبة لأهل الحجاز والعراق باشتغالهم بالملاحم والسير. وروي عن كعب الأحبار في ذلك عجائب لا يتسع المجال لذكرها. ومحرامهم في ذلك كتبهم المقدسة وتأويلاتهم وشروحهم عليها ولاسيما الرموز والأرقام وما أكثرها في الأسفار وشروحها.
وتبعاً لما جبل عليه الإنسان من التلهف لاكتشاف المستقبل اشتغلوا بذلك في العصور كلها. ولم يقتصر ذلك على رجال اللاهوت ، بل شـمل ولا يزال : مفكرين علمانيين وعلماء طبيعة مشهورين من أمثال "نيوتن" في الماضي. وطائفة من العلماء في الكمبيوتر والرياضيات في العصر الحاضر ، ومؤلفاتهم في هذا تصعب على الحصر وسيأتي بعضها ضمن مصادرنا.
وكان لتشتت اليهود وأسرهم واضطهاد الرومان للنصارى الأثر الكبير في اشتغال أهل الكتاب بأخبار المخلِّص أو المنقذ ، وافتعال النبوءات عنه ، وتأويل أي نص ليدل عليه . ومن أعظم ما فعلوه بهذا الشأن تحريف البشارات والنبوءات لكي توافق عـصر المفسِّر أو المؤول وحالة قومه حينئذ . ومن هنا اختلفت التأويلات ، وتناقضت فوق اختلاف المذاهب والفرق. ولكن أكثرهم ارتكب جناية كبرى ، وهي طمس أو تحريف أي بشارة لنبي آخر الزمان وأمته والتعسف في تأويلها وصرفها إلى مسيح اليهود المسمى "ملك السلام" أو إلى المسيح .
كما أن اختلاف النسخ وتعاور الترجمات وتعدد التفسيرات زاد الركام ركاماً، حتى أصبحت الحقائق المطمورة تحتاج إلى عناء ضخم وصبر طويل ، هذا مع الاستنارة بنور الوحي المحفوظ (القرآن والسنة).
فبسبب تنكب أهل الكتاب عن هذا النور حرموا أنفسهم مصادر اليقين وظلوا في ظلمات ليسوا بخارجين منها إلا به.
وموقفنا من نبوءات أهل الكتاب هو نفس الموقف من عامة أحاديثهم وأخبارهم فهي ثلاثة أنواع :-
أولاً : ما هو باطل قطعاً :
وهو ما اختلقوه من عند أنفسهم أو حرفوه عن مواضعه، كدعوى أن نبي آخر الزمان سيكون من نسل داود ، وأن المسيح الموعود يهودي، وطمسهم للبشارة بالإسلام ورسوله ، وعموماً هو كل ما ورد الوحي المحفوظ (الكتاب والسنة الصحيحة) بخلافه.
ثانياً : ما هو حق قطعاً ، وهو نوعان :
أ )- ما صدقه الوحي المحفوظ نصاً ، ومن ذلك إخبارهم بختم النبوة ، وإخبارهم بنـزول المسيح ، وخروج المسيح الدجال وإخبارهم بالملاحم الكبرى في آخر الزمان بين أهل الكفر وأهل الإيمان، ومن هذا النوع ما قد يكون الخلاف معهم في تفصيله أو تفسيره.
ب)- ما صدقه الواقع ،كما في صحيح البخاري عن جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال : ((كُنت باليمن ، فلقيت رجلين من أهل اليمن : ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله ، فقال ذو عمرو : لئن كان الذي تذكره من أمر صاحبك فقد مرَّ على أجله منذ ثلاث . وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رُفِع لنا ركب من قبل المدينة ، فسألناهم ، فقالوا قُبِضَ رسول الله واستُخلف أبو بكر والناس صالحون ، فقالا : أخبر صاحبك أنا قد جئنا ولعلنا سنعود إن شاء الله ورجعا إلى اليمن. فحدثت أبا بكر بحديثهم، فقال : أفلا جئت بهم. فلما كان بعدُ قال لي ذو عمرو : يا جرير إن بك عليَّ كرامة ، وإني مخبرك خبراً ، إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمَّرتم في آخر ، فإذا كان بالسيف كانوا ملوكاً يغضبون غضبَ الملوك ويرضون رضى الملوك))( ).
ثالثاً : ما لا نصدقه ولا نكذبه :
وهو ما عدا هذين النوعين كما قال : ((لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم))( )، ومن ذلك إخبارهم عن الآشوري ورجسة الخراب وأمثالها. وكوننا لا نصدقه ولا نكذبه يعني خروجه عن دائرة الاعتقاد والوحي إلى دائرة الرأي والرواية التاريخية التي تقبل الخطأ والصواب والتعديل والإضافة . أي أن النهي لا يعني عدم البحث فيه مطلقاً ولكنه بحث مشروط وضمن دائرة الظن والاحتمال.
واليوم والعالم كله تقريباً يتابع الأحداث الجارية على أرض فلسطين في وسائل الإعلام نجد أن الناس في أمريكا وبعض البلاد الأخرى لهم شأن آخر .
فها هنا سوق آخر غير سوق الإعلام المنظور والمقروء ، إنه سوق النبوءات والتكهنات ، وهو سوق لا يهدأ ولا ينقطع ، بضاعته أسفار العهدين القديم والجديد وشروحها ، وتجاره كهنة الأصوليين الحَرْفيين ، أما حرامائنه فهم من كل طبقات المجتمع ابتداءً من حكماء البيت الأبيض والبنتاجون وانتهاءاً برجل الشارع ، وهذه الفئة طوائف شتى : فمنهم من ينتظر نـزول المسيح !
ومنهم من ينتظر خروج الدجال !
ومنهم من يتوقع معركة هرمجدون !
ومنهم من يتنبأ بنهاية دولة إسرائيل تبعاً لقيام الانتفاضة وانهيار عملية السلام !
وهذا هو المهم عندنا لأن نهاية هذه الدولة هي أكثر القضايا إلحاحاً من حيث الواقع وأبعدها عن الغيب المطلق والدخول في أمر القيامة التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
وبالتالي فإن أي دراسة استراتيجية علمانية قد تصل إلى مثل أو قريب من النتائج التي تقود إليها النبوءات الكتابية عن نهاية هذه الدولة.
والعنصر الحاسم الذي تنفرد به النبوءات هو تحديد نهاية دولة إسرائيل بالسنوات، الأمر الذي يجعل ذلك عقيدة للمؤمنين بالتوراة والأناجيل ، وليس مجرد رأي أو اجتهاد لباحث من الدارسين ، ومن هنا نأمل أن ينتفع كثير منهم بالحقيقة التي سنحاول الكشف عنها خالصة لوجه الحق !!.
ولما كانت الصهيونية النصرانية هي أكثر حركات العصر خطراً على الحرام البشري ! وكان الأساس الذي قامت عليه عقائدهم وخططهم الجهنمية هو تحقق النبوءة بقيام دولة إسرائيل ؛ كان لابد لكل محب للعدل والسلام في الأرض أن يعرف الحقيقة عن نبوءات هؤلاء، وأن يمد يده لمن ينسف بالحق والعقل الأصول التي بنوا عليها أصوليتهم ، قبل أن ينسفوا هم السلام العالمي ويحولوا كوكبنا المضطرب إلى كتلة من اللهب !!.
إننا في وضع كوني يدرك فيه كثير من العقلاء أن منظمة إرهابية في أوربا أو روسيا قادرة على تهديد السلام العالمي كله ، فكيف نتغافل عن هذه الحركة الكبرى التي تستحوذ على عقول ثلث الشعب في أقوى دولة في العالم ، وتسعى بكل إصرار للسيطرة على مقاليد الأمور في هذه الدولة ، وتضخ كل طاقتها وحماسها لتأييد أكبر عصابة إرهابية في الأرض -ألا وهي دولة صهيون- ؟!.
إننا نأمل –في حال قيام العقلاء في أمريكا وغيرها- بواجبهم أن يفيء هؤلاء إلى رشدهم وأن يفيق كثير من المخدوعين أو الغافلين، وحين نعمل معاً من أجل تبصير هؤلاء بضلال تصوراتهم وخطأ نبوءاتهم فإننا نكون قد واجهنا الباطل بالحق ، والعدوان بالعدل، والإرهاب بالمنطق ، وهذا أحد الغايات العظمى في دين الإسلام كما قال تعالى في كتابه المجيد لرسول الرحمة و ((أركون السلام)) محمد :
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .
مسحاء كذابون
أمريكا كما قال إدوارد سعيد – هي أكثر أمم العالم انشغالاً بالدين !!
وفي أمريكا تيار أصولي ديني مهووس إلى الثمالة بعودة المسيح عاجلاً غير آجل ومستعد لأن يرتكب في سبيل ذلك أكبر الحماقات !!
وأي حماقة أكبر من محاولة التسلل إلى القواعد النووية وإطلاق الدمار على العالم كله ؟
وعن أي دليل نبحث وقد رأيناهم ينتحرون بالمئات والعشرات ، ويفجرون المؤسسات الفدرالية وينظمون الجيوش والعصابات لليوم الموعود .
والمصيبة أنهم يزيدون ولا ينقصون ولا يحتكمون إلى أي منطق أو عقل وإنما هي خيالات ومنامات ومخاطبات من الشياطين يزعمون أنها من الروح القدس!!
بل إن عدداً يصعب حصره منهم يدعي أنه هو المسيح أو أن المسيح حل فيه أو خاطبه !!
ومن عقائد هؤلاء :
1- قيام دولة إسرائيل تمهيد ضروري لنـزول المسيح .
2- مشروع السلام هو تأخير لوعد الله.
3- القدس بكاملها يجب أن تكون تحت سيطرة إسرائيل.
4- إسرائيل مباركة ومبارك من يباركها وملعون من يلعنها أو يعاديها.
5- الفلسطينيون -والمسلمون عامة– رعاع وثنيون وححرام يأجوج ومأجوج.
6- الألف سنة السعيدة يوشك أن تكون لكن بعد خطف المؤمنين إلى السحاب لملاقاة الرب عند نـزوله و دماركل الوثنيين في معركة هرمجدون الكبرى.
وليس هؤلاء جماعة رهبانية معتـزلة كما كان الحال في القرون الأولى. بل هم أصحاب نفوذ اجتماعي بارز ، وترسانة إعلامية مؤثرة ، ومناصب عليا في الحكومة !!.
ونبوءات التوراة مضاف إليها الكهانة والتنجيم وتحضير الجن هي أعظم طقوسهم ، واعتماداً عليها تقوم نظرياتهم في السياسة والاجتماع ، وقواعدهم في التعامل مع سائر البشر.
والمفكرون العلمانيون في أمريكا يعلمون أن تغيير الأفكار المنكوسة لهؤلاء القوم شبيه بالمحال، فالبنية العقلية مدمرة من أصلها والنفسية في غاية التعقيد والغرابة.
والساسة العلمانيون ينافقونهم لما لهم من تأثير على الرأي العام ونفوذ في عالم المال والإعلام!!.
والإعلام العربي قليل الحديث عنهم لأنه مشغول بمحاربة المتطرفين والإرهابيين عن الحديث عن هؤلاء الذين مهما فعلوا وفكروا فليسوا إرهابيين ما داموا ليسوا مسلمين !!
هم والمفكرون العلمانيون على طرفي نقيض ، لكن المشكلة أن كتلة الوسط تقل تدريجياً، والأكثرون يميلون إلى هؤلاء لا إلى الفكر العلماني ، هرباً من جحيم الحيرة والجفاف الروحي، ولذلك تغلغلت الأصولية المهووسة في كل مجال واخترقت كل الحدود.
وقد هيأت الأقدار لفتنتهم في هذا العصر ما لم يكن من قبل -ولا شك أن لله في ذلك حِكماً عظاماً- اجتمع لهم أمران كل منهما كافٍ في ذلك :-
1)- وجود تجمع يهودي كبير في فلسطين وهو ما لم يُعهد من قبل.
يقول "هول ليندسي" في كتابه : " كوكب الأرض ، ذلك الراحل العظيم " :
(( قبل أن تصبح إسرائيل دولة ، لم يكشف عن أي شيء ، أما الآن وقد حدث ذلك ، فقد بدأ العد العحرامي لحدوث المؤشرات التي تتعلق بجميع أنواع النبوءات، واستناداً إلى النبوءات فإن العالم كله سوف يتمركز على الشرق الأوسط ، وخاصة إسرائيل في الأيام الأخيرة ))( ).
2)- حلول الألفية وبالأصح عام 2000 التي تعني عندهم بداية النهاية للعالم المعهود وبداية الدخول إلى العالم الآخر عالم الألفية المسيحية الذي هو بمنـزلة عالم الآخرة أو الجنة عند المسلمين.
في غمرة الحماس الهائج لاقتراب الألفية نشط الأصوليون في العقدين الأخيرين من القرن العشرين نشاطاً هائلاً في كل المجالات . إلا أن من أهمها مجال الدراسات والتآليف والصخب الإعلامي عن نـزول المسيح واقتراب الألفية السعيدة ، حيث استعجلوا بتعسف ظاهر كل حوادث آخر الزمان وأشراط الساعة ، وأعدوا لها تصورات (سيناريوهات) مرعبة للغاية ، تقوم على افتراض واحد هو : حدوث المعجزات الخارقة بما لا يمكن أن يتفق مع التتابع المنطقي لأحداث التاريخ بأي حال.
لقد وجد هؤلاء أنه لا يمكنهم تصور أو تصوير حلول الألفية السعيدة وفق الشروط الموضوعية كالزمان والمكان والظروف السياسية الحالية . فلابد من إقحام خارقة عظمى تقلب النظام الكوني رأساً على عقب . ومن هنا كان أسهل الطرق لتحقيق ذلك هو كارثة نووية تقضي على الحضارة ، وتعيد العالم إلى حالة شبيهة بحاله عند المجيء الأول للمسيح ، وتمهد للمجيء الثاني الموعود ، ووجدوا ضالتهم المنشودة في معركة "هرمجدون" المشؤومة . ووافق ذلك شعارات ريجان ونيحرامون عن تدمير إمبراطورية الشر "الاتحاد السوفيتي" فافترضوا أن يأجوج ومأجوج هم الروس . وبسقوط الاتحاد السوفيتي وقيام حرب الخليج افترضوا أن يكون الآشوري هو صدام حسين وأن يأجوج وماجوج هم العرب أو العرب والفرس وغيرهم وأن الحرب النووية لا مفر منها !!
وبعد اتفاقات "أوسلو" خمدوا قليلاً -بل اضطربوا- فلما قامت الانتفاضة الأخيرة تنفسوا الصعداء لاسيما وقد وقعت في نفس عام 2000 ! ومن هنا يضع كثير من المفكرين والدارسين في الغرب أيديهم على قلوبهم ، خشية أن يغامر أحد المهووسين هؤلاء بحماقة تكون عاقبتها كوارث لا تحصى.حتى أن السلطات الإسرائيلية نفسها تتشدد في دخول المتطرفين من هؤلاء إلى إسرائيل خشية إقدامهم على شيء من هذا القبيل. أما الكارثة الكبرى التي تقض مضاجع المراقبين فهي احتمال تسلل هؤلاء إلى أحدى القواعد النووية ، وإشعال النار التي لا يستطيع العالم أن يطفئها !!.
وينبغي أن يعلم الناس أن مرور عام 2000 أو ما بعده دون حدوث شيء لا يعني نهاية هذه الأفكار فإن هؤلاء تعودوا أن يعيدوا النظر في حساباتهم ، وسوف تأتيهم الشياطين وتوحي إليهم بسراب جديد يلهثون وراءه ، ويثيرون الرعب في العالم ، ويظلون محرام تهديد مستمر للبشرية كلها !!.
ومع اقتناعي بأن هؤلاء لاعقل لهم أرى أنه لابد أن يتصدى لهم العقلاء بنسف الأساس العقدي لأوهامهم وضلالاتهم. وإذا كان أهل الكتاب عاجزين أو مقصرين فنحن لا يجوز لنا أن نعجز أو نقصر وبين يدينا الوحي المعصوم والحق الجلي ، الذي لو عرضناه على العالم لوضع الله له القبول عند الناس.
ومن هنا كان إثبات أن دولة إسرائيل القائمة لا علاقة لها بالمسيح من قريب ولا بعيد، وأن الألفية الثانية ستمر كما مرت القرون الأولى بلا جديد ، هو دفع لشر هؤلاء ليس عن المسلمين وحدهم بل عن الإنسانية جميعاً وهذا هو أحد دوافع كتابة هذا البحث الموجز والدافع الآخر هو ما يختص بالمسلمين وسنعرض له لا حقاً.
ونحن لا نطالب من شك في أمر هؤلاء من بني دينهم إلا بقراءة جديدة للفصلين الثالث والعشرين والرابع والعشرين من إنجيل متّى -لاسيما عند الحديث عن نبوءة دانيال- والتأمل جيداً في تحذير المسيح من المسحاء الكذبة ، والمروجين للإشاعات عند قيام " رجسة الخراب " في أورشليم، ثم يسأل كل منا نفسه ؟ من هؤلاء يا ترى وكيف يجب أن يكون موقفنا منهم ؟
فإن وصلوا إلى الحقيقة –وهذا ما نعتقده- وإلا فليتابعوا المسير معنا حتى نجليها كاملة بإذن الله!!.
شكل (1)
دوران التاريخ وفق النظرية النصرانية الأصولية
شكل (2)
تصورات النصارى عن الألفية ونزول المسيح(1)
أ )- تصور شيوخ الكنيسة القدامى (نزول المسيح سابق للألف سنة ) :
1- بعد رفع المسيح يبدأ عصر الكنيسة.
2- في نهايته يكون سبع سنوات من الفتنة.
3- بعد السبع السنوات ينزل المسيح ويرتفع القديسون لاستقباله في السماء ثم ينـزلون إلى الأرض.
4- بعد ذلك تبدأ الألفية السعيدة تحت حكم المسيح.
5- ينتهي العالم وتأتي الأرض الجديدة (الأرض عندهم تتبدل مرات فالأرض في عصر آدم هي غير الأرض في هذا العصر …وهكذا).
ب)- تصور اللا ألفية :
وهو رأي القديس أوغسطين ومجمع "أفسس" وعليه الكاثوليك والكنائس الكبرى البروتستانتية:
1- عصر الكنيسة : هو الألف سنة والفتنة معاً ، فمن كان المسيح في قلبه فهو في الألفية ومن لم يؤمن فهو في الفتنة والنبوءات كلها رموز ((حتى الألف لا معنى لها هنا)).
2- ينـزل المسيح ويرفع القديسين ويعيشون كلهم في السماء.
ج)- تصور ما بعد الألفية :
تصور بروتستانتي من (ق:17) إلى (ق:20) مؤسس على فكرة التطور والتقدمية ومضاد للكنيسة الكاثوليكية . وقد استمر حتى انهيار الفكرة بقيام الحرب العالمية الأولى :-
1- عصر الكنيسة = انتشار الكنيسة.
2- العصر الذهبي = تمتلك الكنيسة جميع الشعوب.
3- نزول المسيح ورفع القديسين إلى السماء.
د) مذهب الأصوليين في القرن العشرين :
وهو تعديل للمذهب الأول وفيه نزولان للمسيح ، ابتدعه بعض الإنجليز في (ق:19) :-
1- عصر الكنيسة.
2- ثم نزول المسيح في السماء وارتفاع القديسين إليه وبقاؤهم في السماء مدة الفتنة.
3- تقع الفتنة على المسلمين واليهود في الأرض وأولئك في السماء.
4- ينـزل المسيح والقديسون وتكون الألفية السعيدة لهم.
5- ينتهي الأمر بتبدل الأرض إلى أرض جديدة !!.
هل تغير شيء ؟
حين أطلق الجنود الصهاينة الرصاص على المسلمين في ساحة الأقصى كان ذلك إيذاناً بإطلاق رصاصة الرحمة على مشروع السلام ذلك الخداج الذي تعسرت ولادته بضع سنين وحين كانت المروحيات الإسرائيلية تقصف بعض مباني إدارات السلطة العرفاتية فقد كانت تقصف أوسلو وملحقاتها !!
فاليهود إذن انقلبوا على ما صنعوا وأحرقوا ما زرعوا ، فما الذي تغير ؟ ولماذا ؟ هذا ما يقتضي منا العودة إلى مبررات مدريد وأوسلو ومشروع الولايات المتحدة الشرق أوسطية في النهج الصهيوني .
بعد مؤتمر مدريد المشؤوم قلنا ما ننقله الآن حرفياً : -
(( إن ما يسمى مشروع السلام لم يأت تبعاً لتغير الظروف الدولية ، وانحسار مرحلة الحرب الباردة ، ووفقاً لمقتضيات الوفاق الدولي -كما يصور ذلك الإعلام الغربي وذيله الإعلام العربي- فهذه التغيرات نفسها أعراض للمتغير الأساسي ، وهو الخطة الصهيونية للسيطرة على العالم كافة والمنطقة الإسلامية خاصة.
إن هذه الخطة ببساطة -قد عدلت عن فكرة إقامة دولة إسـرائيل الكبرى ، وبعبارة أصح قد عدّلت هذه الفكرة لأسباب ذاتية ضرورية ، أهمها أن دولة اليهود وجدت نفسها بعد 40 سنة من قيامها عبارة عن مركب من المتناقضات ، وكائن غريب في محيط من العداوات.
فعلى المستوى الأمني لم تنجح في السيطرة على ما ابتلعته من أرض فلسطين فكيف تسعى لمزيد من الأراضي ؟ وإن لبنان التي هي أضعف الجيران وأبعدهم عن العداوات ظلت محرام قلق وإزعاج لا نهاية له ، حتى بعد اجتياحها المعروف (والآن في انتفاضة رجب هي الجبهة الوحيدة الفاعلة).
والمشكلة السكانية تشكل أعمق المشكلات وأبعدها تأثيراً ، فكثير من اليهود لم تخدعهم الوعود المعسولة ، والإغراءات البراقة، للهجرة إلى أرض تعج بالمساوئ الاجتماعية، من اختلال الأمن إلى الطبقية المقيتة إلى التناحر الححرامي .. إلخ.
والأفاعي عندما تجتمع -على اختلاف ألوانها وأشكالها- لابد أن يذوق بعضها سم بعض، إضافة إلى الحجارة التي تهشم رؤوسها باستمرار من أيدي أشبال الإسلام ، فكيف إذا وصل الأمر إلى الرصاص ؟.
ولقد رعبت دولة اليهود من ارتفاع مؤشر الهجرة المضادة ، وقلة استجابة السكان لدواعي تكثير النسل وأظهرت الإحصائيات الرسمية أنه مقابل كل شهيد من أبناء فلسطين المسلمة يولد عشرات وعشرات.
ومن تجربة إسرائيل التي لا تقبل النقاش أنها أعجز ما تكون عن استئصال المقاومة بنفسها، فعملاؤها هم الذين تولوا سحق الفلسطينيين في لبنان والأردن وسورية والكويت وغيرها.
فلماذا لا تضع يدها في أيديهم ضمن خطة أخرى تتنازل فيها عن أوسع حدود الأرض التوراتية إلى أضيقها ؟ ولا غرابة في هذا على عقيدة اليهود التي تؤمن بالبداء وبأن الأحبار يصححون أخطاء الرب -تعالى الله عما يصفون-.
ثم إن إسرائيل لكي تقنع الإنسان الغربي المفتون بدعوى الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يمكن أن تظل ثكنة عسكرية وسجناً كبيراً إلى الأبد.
كما أن المقاطعة العربية مهما بدت شكلية ، توفر حاجزاً نفسياً لشعوب المنطقة ، فلابد من افتعال حركة ((تكتيكية)) يتراجع فيها اليهود ويسلمون بما يسمى ((الحكم الذاتي المحدود)) لكي يتم الهدف الأكبر استراتيجياً ((التخلي عن التوسع الجغرافي مقابل التغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي)) وهو ما عبر عنه أكثر من مفكر ومسؤول بمصطلح ((الولايات المتحدة الشرق أوسطية)) !!
وهكذا سيؤدي فتح الحدود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وإعلان فتح القنوات السياسية إلى أن يصبح يهود إسرائيل في الشرق الأوسط كيهود نيويورك في أمريكا ، وتصبح ثروات المسلمين ركازاً لهم ، وجامعاتهم ومؤسساتهم الثقافية أوكاراً لفكرهم ، وحواضرهم التجارية مراكز لبنوكهم وتجارتهم وأسواقاً لبضائعهم ويصبح عامة الشعوب العربية عمالاً كادحين لخدمة البارون اليهودي الربوي !!
هذا هو هدف السلام المزعوم مهما غلفوه أو قنعوه ، والتخطيط الصهيوني لم يتغير ارتجالاً ولا هو نتيجة دراسات فكرية وميدانية بحتة كما يظهر - بل إن أسبابه وجذوره تمتد إلى ما هو أعمق من ذلك ، إلى خبيئة النفسية اليهودية وحقيقة الجبلَّة اليهودية ، وواقع التاريخ اليهودي القديم والحديث . فقيام كيان يهودي متميز مستقل حرامائر الكيانات السياسية أو العقدية في العالم أمر يتنافى مع تلك النفسية والجبلة والتاريخ ، والخطأ الأكبر الذي وقع فيه مسطرو أحلام العودة منذ الأسر البابلي إلى الاضطهاد الأوربي ، وخطط لـه أمثال هرتسل وفيشمان ووايزمان هو أنهم غفلوا أو تغافلوا عن هذه الحقيقة ، فلما قام الكيان المنشود خرجت الحقيقة كالشمس من تحت الركام !!
وليس بخاف على اليهود ولا على المطلعين على الحركة الصهيونية الحديثة أن جماعات وزعامات يهودية ( دينية وفكرية ) ترفض قيام دولة يهودية متميزة بل تعحرام النبوءات التوراتية ، على أهلها وتقول إن قيام الدولة هو نذير الهلاك والفناء لليهود ، ولها على ذلك أدلة وشواهد من الأسفار والمزامير ومن واقع التاريخ .
لقد جسد قيام دولة إسرائيل المأزق الكبير الذي وقع فيه اليهود ، حين اصطدمت الأحلام التلمودية العنصرية التي لا حدود لها بواقع النفسية اليهودية العليلة ، التي لم تكن يوماً من الأيام رأساً في قضية ولو كانت قضيتها الذاتية ، فكيف تكون رأساً في قضية العالم كله ، ولذلك فإنها تعلل نفسها بخروج المسيح الموعود الذي يحمل عنها هذه التبعة.
فاليهود لم يكونوا في حقبة من أحقاب تاريخهم رأساً في قضية ولوكانت قضيتهم ، ولو كانوا مرة واحدة لكانت في هذا العصر وهو ما لم يكن!! فهم كالشجرة الطفيلية لا تنمو إلا على ساق غيرها ، أو الدودة المعوية التي لا تأكل إلا قوت غيرها ، فمن حادثة بني قينقاع حيث كان المنافقون هم الناطقين الرسميين الظاهرين -إلى مؤامرة الأحزاب- حيث كان الجند جند قريش وحلفائها لا جند قريظة وأخواتها -إلى الإدارة الأمريكية- حيث لا يزال اليهود وهم يسيطرون على الجزء الأكبر من الاقتصاد والإعلام والتأثير السياسي ..إلخ يستخدمون أمثال نيحرامون وكارتر وريجان وبوش وهم جميعاً نصارى !!
وقد عاشوا في أحشاء أوربا وتسلقوا شجرة الحقد الصليبي فكان لهم حبل من الناس. وعندما أصبح لهم لأول مرة منذ قرابة ألفي سنة دولة وحكومة ظهرت السنة الربانية تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى [الحشر : 14] فهذه الدولة تعج بالمتناقضات والصراعات ، وتتكفف العالم كله وتعصر اليهود وغيرهم في كل مكان عصراً لإدرار التبرعات ، ولا تستغني في أي محفل دولي عن المندوب الأمريكي ونظرائه ، وإن كانت في الظاهر تمثل مع أمريكا دور الثعلب مع النمر !!( ).
إنهم دائماً يحركون الدمى من وراء الستار ولو ظهروا على المسرح لانكشفت سوءاتهم وبطل سحرهم . إنهم يحرصون على تبني أي رئيس أمريكي والإطاحة به ولكنهم لا يستطيعون أو لا يفكرون في أن يجعلوه رئيساً يهودياً وحكومته حكومة يهودية صريحة !! (والآن رشحوا يهودياً نائباً للرئيس).
وأمر آخر يقض مضاجع يهود دولة إسرائيل ، هو أنه ليس في وسع الشراهة اليهودية العمياء أن تظل حبيسة الأرض التي قالت عنها التوراة أنها تفيض لبناً وعسلاً ، مع أن المنطقة الكبرى حولها تفيض نفطاً وذهباً ، ثم تظل رهينة الفكرة الداعية لقيام دولة ما بين الفرات والنيل وفق النموذج النازي العسكري الذي عجزوا عجزاً واضحاً عن السيطرة على ما تم لهم منه.
بل إن ما تحقق من هذا الحلم كاف للعدول عن الفكرة الأخرى التي أقام عليها "روتشيلد" وذريته مملكة لا نظير لها في التاريخ " مملكة الربا والإعلام والجاسوسية " ، وهي مملكة تتفق تماماً مع الجبلة الطفيلية ، وليكن ما احتلوه من الأرض في حروبهم المتعددة -أو جزء منه- منطلقاً لهذه المملكة ، وتربة لهذه الشجرة الطفيلية التي سوف تترعرع وتخترق بثقافتها وفكرها ومناهجها سائر المنطقة ، التي يسيل لعاب العالم كله لثروتها !
فإلى متى يظل وصولهم إلى هذه الثروات الهائلة والكنوز السائلة ملتوياً يمر بقناة الأمريكان والأوربيين !! وهم الجيران الأدنون ؟!
إن اليهود أكثر دهاءً وأكثر شراهة من أن يظلوا موغلين في خطأ جسيم كهذا -خطأ التوسع الجغرافي غير المضمون حتى لو كان هذا هو ما تخيله أحبار التلمود منذ سحيق العهود ، وسواء خرج المسيح أو لم يخرج !! )) أ.هـ( ).
ذلك ما قلنا من قبل فما الثابت وما المتغير في الوضع الراهن ؟!
لقد صدقت النبوءة في جانبها السلبي ، لسبب واحد واضح هو أن طبيعة النفسية اليهودية ثابتة لا تتغير بتغير استراتيجيات الحرب والسلام ، وإلا فكيف تخسر الدولة الصهيونية مكاسب السلام الهائلة ؟ وكيف يكون السلام الذي تسعى إليه كل الأمم هو سبب الانهيار أو الضعف ؟ إن الدولة الصهيونية هي الآن أضعف ما تكون مع أنه لم يحاربها أحد ، بل ليس في نية أحد أن يحاربها ، فلماذا ؟ لابد أن السبب ذاتي محض ، وإلا فلو كانت تلك المشروعات موضوعة لشعب آخر ولو كانت تلك الاتفاقات معقودة مع طرف آخر لأمكن الوصول إلى نتائج ثابتة ، باحتمالات معقولة للنقض أو التحايل ،كما نرى في سائر النـزاعات بين سائر البشر ، ولكن اليهود لهم طبيعة خاصة تخالف سائر البشر ، طبيعة خاصة في المفاوضات ، وطبيعة خاصة في العهود ، وطبيعة خاصة في التملص والنكوص.
وباختصار نقول إن الحسابات التي بنيت عليها قرارات مدريد وأوسلو تقوم :
على أساس أن السلام يحرامر الحواجز النفسية -وهذا معقول إلا في الأمة التي تكون نفسيتها نسيجاً معقداً من الحواجز ،وهي الأمة المغضوب عليها "اليهود"-.
وعلى أساس أن السلام مطلب حيوي لكل الأمم وهذا حق إلا بالنسبة للأمة التي لا تعيش إلا على العدوان والوحشية والعنصرية الحاقدة !!
وحتى لا يتهمنا أحد بالعنصرية -أو يحاكمونا كما حاكموا جارودي !!- لن نستدل على هذا بكتاب الله العزيز ولا بأقوال البشر من الأمميين كافة ، بل من التوراة نفسها التي قام الكيان الصهيوني على نبوءاتها ((وليسمع من له أذنان)) !!.
اليهود هم اليهود
اليهود هم اليهود من عبدة العجل طالبي الآلهة كما للوثنيين آلهة ، وناقضي عهد الله في كل مرة والقائلين لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ، والقائلين لرسوله الكريم اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ومحرفي الكلم عن مواضعه ، وأكلة السحت والربا ، والقائلين يد الله مغلولة ، وإن الله فقير ونحن أغنياء ، وقاتلي الأنبياء ، وكاتمي الحق ، وتاركي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الملعونين على لسان داوود وعيسى بن مريم، والممسوخين قردة وخنازير... و ... و ...إلخ.
ومن قينقاع والنضير وقريظة وخيبر الجاحدين النور في الظهيرة ، المتآمرين مع عُبَّاد اللات والعزى ، الذين هموا بقتل خير البرية أول مرة ، ثم وضعوا لـه السم أخيراً ، الذين لا تحصى فضائحهم ولا تعد قبائحهم ، إلى هرتسل وعصابته ، وبيجن وشرذمته ، وإلى السفاحين الذين جاءوا من بعدهم –وكلهم سفاحون- ومن لبس منهم جلد الضأن على قلوب الذئاب أو الثعالب ، ومن كشر عن أنيابه وجاهر بإرهابه...
إلى العتاة القساة غلاظ القلوب ، الذين استهدفوا أعين الأطفال بالرصاص المتفجر ، وأحرقوا قلوب الأمهات ، وكشفوا الوجه الحقيقي لرجسة الخراب "إسرائيل" بفظاعاتهم ووحشيتهم !!
من أولئك الأقدمين إلى هؤلاء المعاصرين لم تتغير الطبيعة ، ولم يتهذب الخلق ، ولم تختلف العقوبة !!
فاقرأوا معي ماذا قيل في توراتهم عنهم ؟ وأَنْـزِلوا ما تقرأون على أي مرحلة شئتم.
إما على عباد العجل ، وإما على خونة قريظة ، وإما على سفاحي إسرائيل اليوم ، بل أنـزلوه على الجميع فلا فرق ولهذا فسوف نسوقه بلا شرح ولا تعقيب.
اقرأوا صفات الرؤساء ، وجبلة الشعب ، وطباع الكهنة ، وملامح المجتمع الصهيوني ، وخلقه وتعامله مع الآخرين بل مع الله خالقه ، في مملكتي إسرائيل ويهوذا ، وفي السبي البابلي، وفي الشتات العالمي ، وفي دولة إسرائيل المعاصرة ، لتجدوا أن شيئاً ما لم يتغير وأن ما صدق على زمن يصدق على كل زمن ، وهذا الذي تقرأون إنما هو غيض من فيض وقطرات من بحر ، من التوراة وحدها دع التلمود وما أدراك ما التلمود؟! :
1- موسى :
((أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً : خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت الرب ليكون هذا شاهداً عليكم ، لأني عارف تمردكم ورقابكم الصلبة هوذا وأنا بعدُ حي معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحرِيِّ بعد موتي)).
[تثنية 31: 17،16]
2- داود :
إن قارئ المزمور السادس بعد المائة يجد التشابه بين ما ذكره الله تعالى عنهم في سورة البقرة وما في هذا السفر ، من تعداد لنعم الله تعالى وآياته التي أراهم ولكنهم كل مرة ينكصون وينكثون ويعبدون غير الله وينكرون نعمة الله ، ولذلك كان الوعيد عليهم من الله ((فرفع يده مقسماً ليسقطنهم في البرية ويسقطن ذريتهم في الأمم ويبددنهم في البلاد...)).
[26 ، 27]
((مرات كثيرة أنقذهم لكنهم تمردوا على تدبيره وانحطوا بآثامهم)).
[43]
3- بنفس الأسلوب تقريباً يوبخهم سفر [نحميا : 9].
4- وأما أشعياء فيسهب ويفصل ونحن نختار ونجمل :
((استمعي أيتها السموات وأنصتي أيتها الأرض فإن الرب قد تكلم.
إني ربيت بنين وكبَّـرتهم لكنهم تمردوا عليَّ.
عرف الثور مالكه والحمار علف صاحبه لكن إسرائيل لم يعرف وشعبي لم يفهم.
ويل للأمة الخاطئة الشعب المثقل بالآثام ، ذرية أشرار وبنين فاسدين.
إنهم تركوا الرب واستهانوا بقدُّوس إسرائيل وارتدوا على أعقابهم.
علام تُضرَبون أيضاً إذا ازددتم تمرداً ؟ الرأس كله مريض والقلب كله سقيم.
من أخمص القدم إلى الرأس لا صحة فيه بل جروح ورضوض وقروح مفتوحة لم تعالج ولم تعصب ولم تُلَيَّن بدهن)).
[1 : 1- 6]
((لولا أن رب القوات تـرك لنا بقية يسيرة لصـرنا مثل سدوم وأشبهنا عمورة -يعني مدينتي قوم لوط-)).
[1 : 8]
((اسمعوا كلمة الرب يا قواد سدوم أصغِ إلى تعليم إلهنا يا شعب عمورة ما فائدتي من كثرة ذبائحكم يقول الرب ؟…
أصبح دم الثيران والحملان والتيوس لا يرضيني .حين تأتون لتحضروا أمامي من الذي التمس هذه من أيديكم حتى تدوسوا دياري ؟
رأس الشهر والسبت والدعوة إلى الحفل... إنما هي إثم واحتفال ، رؤوس شهوركم وأعيادكم كرهتها نفسي.
فحين تبسطون أيديكم أحجب عيني عنكم وإن أكثرتم من الصلاة لا أستمع لكم لأن أيديكم مملوءة من الدماء)).
[1 : 9-15]
واستمع إلى هذا التقريع لأورشليم :-
((كيف صارت المدينة الأمينة زانية ؟ لقد كانت مملوءة عدلاً وفيها كان بيت الرب أما الآن فإنما فيها قَتَلة.
فِضَّتك صارت خبثاً وشرابك مزج بماء .
رؤساؤك عصاة وشركاء للسراقين ،كل يحب الرشوة ويسعى وراء الهدايا ، لا ينصفون اليتيم ، ودعوى الأرملة لا تبلغ إليهم .
فلذلك قال السيد رب القوات عزيز إسرائيل :
لأثأرن من خصومي وأنتقمن من أعدائي.
وأرد يدي عليك ، وأحرق خبثك كما بالحرض وأنـزع نفاياتك كلها)).
[1 : 21-25]
ويضرب لهم الأمثال ويهددهم بالويلات إلى أن يقول :
((ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً ، الجاعلين الظلمة نوراً والنور ظلمة ، الجاعلين المر حلواً والحلو مراً.
ويل للذين هم حكماء في أعين أنفسهم عقلاء أمام وجوههم.
ويل للذين هم أبطال في شرب الخمر ، وذوو بأس في مزج المسكرات.
المبرئين الشِّرِّير لأجل رشوة والحارمين البارَّ برَّة.
فلذلك كما يلتهم لهيب النار القش ، وكما يفنى الحشيش الملتهب ، يكون أصلهم كالنتن وبرعمهم يتناثر كالتراب ، لأنهم نبذوا شريعة رب القوات واستهانوا بكلمة قدوس إسرائيل.
فاضطرم غضب الرب على شعبه فمد يده عليه وضربه ، فرجفت الجبال وصارت جثثهم كالحرامل في وسط الشوارع ، ومع هذا كله لم يرتد غضبه ويده لاتـزال ممدودة)).
[5 : 20-25]
وبعد هذا يتنبأ النبي بالعقوبة على هؤلاء - علماً بأنه حينئذ لم يكن لليهود دولة ولا اجتماع وإنما كانوا أسرى في بابل !! فيقول :
((فيرفع رايةً لأمةٍ بعيدةٍ ويصفر لها من أقصى الأرض فإذا بها مقبلة بسرعة وخفة.
ليس فيها منهك ولا عاثر ، لا تنعس ولا تنام ولا يحل حزام حقويها ولا يفك رباط نعليها. سهامها محددة وجميع قسيها مشدودة. تحسب حوافر خيلها صواناً ومركباتها إعصاراً.
لها زئير كاللبؤة وهي تزأر كالأشبال وتزمجر وتمسك الفريسة وتخطفها وليس من ينقذ.
فتزمجر عليه في ذلك اليوم كزمجرة البحر. وتنظر إلى الأرض فإذا بالظلام والضيق وقد أظلم النور في غمام حالك)).
[5 : 26- 30]
وسوف نأتي بمزيد من صفات هذه الأمة التي يشرفها الله بحرب أعدائه من هذا السفر وغيره. ثم يقول :
((آثامكم فرقت بينكم وبين إلهكم ، وخطاياكم حجبت وجهه عنكم ، فلا يسمع لأن أكفكم تلطخت بالدم وأصابعكم بالإثم.
ليس من مدع بالبر ولا محكم بالصدق ، يتكلمون على الخواء وينطقون بالباطل ، يحبلون الظلم ويلدون الإثم ، ينقفون بيض الحيات وينسجون خيوط العنكبوت . وبيضهم من أكل منه يموت ، وما حرامر منه انشق عن أفعى.
خيوطهم لا تصير ثوباً ولا يكتسون ، بأعمالهم إثم ، وفعل العنف في أكفهم.
أرجلهم تسعى إلى الشر وتسارع إلى سفك الدم البريء ، أفكارهم أفكار الإثم ، وفي مسالكهم دمار وتحطيم.
لم يعرفوا طريق السلام ولا حق في سبيلهم ، قد جعلوا دروبهم معوجة، كل من سلكها لا يعرف السلام.
لذلك ابتعد الحق عنا ، ولم يدركنا البر ، نترقب النور فإذا بالظلام ، والضياء فإذا بنا سائرون في الديجور.
نتحسس الحائط كالعميان، وكمن لا عيني لـه نتحسس، نعثر في الظهيرة كما في العتمة، ونحن بين الأصحاء كأننا أموات.
نزأر كلنا كالأدباب وننوح كالحمام ، نترقب الحق ولا يكون والخلاص وقد ابتعد عنا.
لأن معاصينا قد كثرت تجاهك ، وخطايانا شاهدة علينا ، لأن معاصينا معنا وآثامنا قد عرفنا.
العصيان والكذب على الرب ، والارتداد من وراء إلهنا ، والنطق بالظلم والتمرد والحيل بكلام الكذب ، والتمتمة به في القلب.
فارتد الحكم إلى الوراء ، ووقف البر بعيداً ، لأن الحق عثر في الساحة ، والاسقامة لم تقدر على الدخول.
وصار الحق مفقوداً ، والمعرض عن الشر مسلوباً ، وقد رأى الرب فساء في عينيه أن لا يكون عدل …فَلَبِسَ البَّر كدرع